أن تكون مظلوما من عامة الناس ليس بالأمر الغريب أو الكئيب. فكثيرون يشاركونك المعاناة..أما أن تظلم من أقرب الناس إليك فالموضوع فيه مرارة لا يتحملها إلا الكبار عقلا وقلبا..صاحب القصة ولد مظلوما من أم لا يعرف عنها إلا الإسم فقد فارق عقلها جسدها وأبعدت عنه قبل أن يدرك أن للأم مكان يصعب ملؤه ولو بنساء الدنيا..وأبوه أتى به بعد عمر طويل يعجزعليه أن يحافظ فيه على صحته وما تبقى من عقله ونشأ بين إخوة لا يعرفوا إلا حياة الجفوة والمعاملة بقسوة.. لكن أنعم الله عليه بشيئ من حنان من أخواته الكبار والذي لم يستمر طويلا فالحياة لها قوانينها (يستحيل أن يكون الحال في دوام) ..لقد رضع الظلم باكرا وتعود عليه قبل أن يمشي على قدميه لذلك كان نادرا ما أرى شيئا من الحزن أو الألم على وجهه فقد كان بساما عندما أراه وتنقلب إبتسامته إلى ضحكات عندما يصافح..كنت أتسائل كيف يتحمل هذا الفتى كل هذه الضغوط وهو أصغر مني عمرا وأقل حظا ؟ لكني أدركت لاحقا أنه يكبرني صبرا ويتخطاني عزيمة..حتى أفكاره لم تسلم من الظلم فقد جمعت هي أيضا من تجارب كان الفشل عنوانها الأول لأن الأبواب سدت جميعها في وجهه تخلى عنه الجميع في أولى خطوات حياته التي سارها وحيدا يشكو أحيانا ويسكت في الغالب لفقدان الناصح أو المجيب. برغم ذلك لم أسمع منه يوما ردا متشائما عندما أسأله عن المستقبل, فقد أراد أن يكون له مكان بين الناس..الناس الذين لم يقدموا إليه شيئ يجعله يفكر ولو للحظة أن الحياة تستحق أن يعيش لأجلها من أجلهم..
سألني يوما عن الأسفار وعن جمال الاقطار.فأجبته أن العالم جميل لكن يبقى الحنين للأوطان ونسيت حينها معنى الحنين لديه فقد فطم منه قبل أن يرضع الأنين ويأكل المآسي ويشرب التشريد وحاله الحزين.أراد أن يسافر وياليته سافر لينسى أعوام المشاكل وسلطة الأكابر ويعلم أن هناك حياة برغم منظر المقابر والعدل أقوى هيبة من صولة المظالم والخير لن يغيب ولو تطاولت للشر أشباه المنابر..
فارق المظلوم الدنيا بحادث..ولعل فكره مشغول حينها بموقف جديد من حاله العجيب بين شتمه ولعنه وطرده من أهله العبيد الذين لم يفهموا أن الإنسان حر في فهمه في رأيه في شكله مالم يظلم أو يحيد وصديقي لم يحيد ولن يحيد..
هذا هو حال الدنيا نقف أحيانا عند بابها عاجزين عن نصرة المظلومين ولكن عزاؤنا أن حياة الإنسان خالدة والموت ليس سوى محطة في طريق قصير نهايته جحيم أو لاجحيم ويبقى خالص النعيم لمن نال حصاد صبر السنين. وأشهد أن صاحبي المظلوم في عداد الصابرين.
اللهم ارحم كل المظلومين